الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الخازن: قوله: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله} يعني في مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم {وكونوا مع الصادقين} يعني مع من صدق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الغزوات ولا تكونوا مع المتخلفين من المنافقين الذي قعدوا في البيوت وتركوا الغزو.وقال سعيد بن جبير: مع الصادقين يعني مع أبي بكر وعمر.قال ابن جريج: مع المهاجرين.وقال ابن عباس: مع الذين صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وأعمالهم وخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك بإخلاص نية.وقيل: كونوا مع الذين صدقوا في الاعتراف بالذنب وهم يعتذرون بالأعذار الباطلة الكاذبة وهذه الآية تدل على فضيلة الصدق لأن الصدق يهدي إلى الجنة والكذب إلى الفجور كما ورد في الحديث.وقال ابن مسعود: الكذب لا يصلح في جد ولا هزل ولا أن يعد أحدكم صاحبه شيئًا ثم لا ينجزه اقرأوا إن شئتم وكونوا مع الصادقين.وروي أن أبا بكر الصديق احتج بهذه الآية على الأنصار في يوم السقيفة وذلك أن الأنصار قالوا: منا أمير ومنكم أمير فقال أبو بكر: يا معشر الأنصار إن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه للفقراء المهاجرين إلى قوله أولئك هم الصادقون من هم قالت الأنصار: أنتم هم فقال أبو بكر: إن الله تعالى يقول: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصدقين فأمركم أن تكونوا معنا ولم يأمرنا أن نكون معكم نحن الأمراء وأنتم الوزراء وقيل مع بمعنى من والمعنى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا من الصادقين. اهـ..قال أبو حيان: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} هو خطاب للمؤمنين، أمروا بكونهم مع أهل الصدق بعد ذكر قصة الثلاثة الذين نفعهم صدقهم وأزاحهم عن ربقة النفاق.واعترضت هذه الحملة تنبيهًا على رتبة الصدق، وكفى بها أنها ثانية لرتبة النبوة في قوله: {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين} قال ابن جريج وغيره: الصدق هنا صدق الحديث.وقال الضحاك ونافع: ما معناه اللفظ أعم من صدق الحديث، وهو بمعنى الصحة في الدين، والتمكن في الخير، كما تقول العرب: رجل صدق.وقالت هذه الفرقة: كونوا مع محمد وأبي بكر وعمر وخيار المهاجرين الذين صدقوا الله في الإسلام.وقيل: هم الثلاثة أي: كونوا مثل هؤلاء في صدقهم وثباتهم.وقال الزمخشري: هم الذين صدقوا في إيمانهم ومعاهدتهم الله ورسوله من قوله: {رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} وهم الذين صدقوا في دين الله نية وقولًا وعملًا انتهى.وقيل: الخطاب بالذين آمنوا لمن تخلف من الطلقاء عن غزوة تبوك.وعن ابن عباس: الخطاب لمن آمن من أهل الكتاب أي: كونوا مع المهاجرين والأنصار، ومع تقتضي الصحبة في الحال والمشاركة في الوصف المقتضي للمدح.وقرأ ابن مسعود وابن عباس: من الصادقين، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم.وكان ابن مسعود يتأوله في صدق الحديث وقال: الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل، ولا إن يعد منكم أحد صببه ثم لا ينجزه، اقرأوا إن شئتم: وكونوا مع الصادقين.وقال صاحب اللوامح: ومن أعم من مع، لأنّ كل من كان من قوم فهو معهم في المعنى المأمور به، ولا ينعكس ذلك.وقرأ زيد بن علي وابن السميفع وأبو المتوكل ومعاذ القاري: مع الصادقين بفتح القاف وكسر النون على التثنية، ويظهر أنهما الله ورسوله لقوله تعالى: {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله} ولما تقدم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، أمروا بأنْ يكونوا مع الله ورسوله بامتثال الأمر واجتناب المنهى عنه كما يقال: كن مع الله يكن معك. اهـ..قال أبو السعود: {يا أيها الذين آمنوا} خطابٌ عام يندرج فيه التائبون اندراجًا أوليًا وقيل: لمن تخلف عليه من الطلقاء عن غزوة تبوكَ خاصة {اتقوا الله} في كل ما تأتون وما تذرون فيدخل فيه المعاملةُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر المغازي دخولًا أوليًا {وَكُونُواْ مَعَ الصادقين} في إيمانهم وعهودِهم أو في دين الله نيةً وقولًا وعملًا أو في كل شأنٍ من الشؤون فيدخل ما ذُكر، أو في توبتهم وإنابتهم فيكون المرادُ بهم حينئذ هؤلاء الثلاثةَ وأضرابَهم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه خطابٌ لمن آمن من أهل الكتابِ أي كونوا مع المهاجرين والأنصارِ وانتظِموا في سلكهم في الصدق وسائرِ المحاسن، وقرئ من الصادقين. اهـ..قال الألوسي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} فيما لا يرضاه {وَكُونُواْ مَعَ الصادقين} أي مثلهم في صدقهم: وأخرج ابن الأنباري عن ابن عباس أنه كان يقرأ {وَكُونُواْ مِنَ الصادقين} وكذا روى البيهقي وغيره عن ابن مسعود أنه كان يقرأ كذلك، والخطاب قيل: لمن آمن من أهل الكتاب وروي ذلك عن ابن عباس فيكون المراد بالصادقين الذين صدقوا في إيمانهم ومعاهدتهم الله تعالى ورسوله الله صلى الله عليه وسلم على الطاعة: وجوز أن يكون عامًا لهم ولغيرهم فيكون المراد بالصادقين الذين صدقوا في الدين نية وقولًا وعملًا، وأن يكون خاصًا بمن تخلف وربط نفسه بالسوارى، فالمناسب أن يراد بالصادقين الثلاثة أي كونوا مثلهم في الصدق وخلوص النية.وأخرج ابن المنذر وابن جرير عن نافع أن الآية نزلت في الثلاثة الذين خلفوا، والمراد بالصادقين محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وبذلك فسره ابن عمر كما أخرجه ابن أبي حاتم وغيره، وعن عسيد بن جبير أن المراد كونوا مع أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما.وأخرج ابن عساكر وآخرون عن الضحاك أنه قال: أمروا أن يكونوا مع أبي بكر وعمر وأصحابهما.وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن عساكر عن أبي جعفر أن المراد كونوا مع علي كرم الله تعالى وجهه.وبهذا استدل بعض الشيعة على أحقيته كرم الله تعالى وجهه بالخلافة، وفساده على فرض صحة الرواية ظاهر.وعن السدى أنه فسر ذلك بالثلاثة ولم يتعرض للخطاب، والظاهر عموم الخطاب ويندرج فيه التائبون اندراجًا أوليًا، وكذا عموم مفعول {اتقوا} ويدخل فيه المعاملة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر المغازي دخولًا أوليًا أيضًا، وكذا عموم {الصادقين} ويراد بهم ما تقدم على احتمال عموم الخطاب.وفي الآية ما لا يخفى من مدح الصدق، واستدل بها كما قال الجلال السيوطي من لم يبح الكذب في موضع من المواضع لا تصريحًا ولا تعريضًا.وأخرج غير واحد عن ابن مسعود أنه قال: لا يصلح الكذب في جد ولا هزل ولا أن يعد أحدكم صبيته شيئًا ثم لا ينجزه وتلا الآية، والأحاديث في ذمه أكثر من أن تحصى، والحق أباحته في مواضع.فقد أخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا رجل كذب في خديعة حرب أو إصلاح بين اثنين أو رجل يحدث امرأته ليرضيها» وكذا إباحة المعاريض.فقد أخرج ابن عدي عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب». اهـ..قال القاسمي: {يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} أي: في إيمانهم ومعاهدتهم لله ولرسوله على الطاعة، من قوله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}، أو هم الثلاثة، أي: كونوا مثلهم في صدقهم وخلوص نيتهم.تنبيهات:الأول: روى الإمام أحمد والشيخان حديث كعب وصاحبيه مبسوطًا بما يوضح هذه الآية:قال الزهريّ: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه- وكان قائد كعب من بنيه، حين عمي- قال: سمعت كعبًا يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك.قال كعب: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة غزاها قط، إلا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفت في غزاة بدر، ولم يُعاتَب أحد تخلف عنها، وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد.ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، حين توافقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدرٌ أذكر في الناس منها وأشهر.وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزاة، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط، حتى جمعتهما في تلك الغزاة.وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزوة يغزوها، إلا روّى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة، فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرّ شديد، واستقبل سفرًا بعيدًا ومفاوز، واستقبل عدوًّا كثيرًا، فجلى للمسلمين أمرهم، ليتأهبوا أهبة عدوهم، فأخبرهم وجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير، لا يجمعهم كتاب حافظ- يريد الديوان-.قال كعب: فقلّ رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى عليه، ما لم ينزل فيه وحي من الله عزَّ وجلَّ.
|